تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
أنور عقل ضو
إذا كنا مقتنعين بالوقائع وباليقين أن لبنان تحكمه طبقة سياسية تمثل منظومة الفساد في مختلف المواقع - وباعتراف بعض رموزها - فأي قانون انتخاب ننتظر؟ وأي قانون سيبصر النور نهاية الأسبوع الجاري إذا صدقت بعض التوقعات؟
لن ندخل في تفاصيل الأمور التقنية التي ما تزال موضع نقاش: قانون الستين، الأرثوذكسي، حجم الدوائر، تمثيل المغتربين، القانون النسبي، الصوت التفضيلي وغير ذلك من بدع تغلِّب جميعها مصلحة الطائفة والمذهب، ما يبقي لبنان أسير توازنات "لاوطنية" يعضدها عصب العشيرة والعائلة والأحزاب المصادرة لصالح طوائف بعينها، ما يعني أننا نتجه في المسار إياه منذ ميثاق 1943 ونسخته المعدلة بعد "الطائف"، أي أن لبنان سيبقى في مرتبة "ما دون دولة"، ولا نزال بعيدين سنوات ضوئية عن دولة المواطنة والمؤسسات، دولة تقيم اعتبارا لكفاءة الفرد بغض النظر عن طائفته والمذهب، وبغض النظر عن انتمائه لهذا الفريق السياسي أو ذاك، لأن قمة الفساد والظلم والقهر إقصاء الأكفاء عن مواقع السلطة لصالح الأزلام والتابعين والمنتقعين.
لكن لا بد من تساؤل، أين كانت القوى السياسية طوال الثماني سنوات الأخيرة؟ ولماذا لم تقم اعتبارا للوقت وللمهل الدستورية؟ ولماذا لم تتنبه لسيف الفراغ المسلط على الدولة ومؤسساتها؟ هذه الأسئلة تفضي إلى حقيقة واحدة، وهي أنه على الرغم من التوافق على مشروع النسبية في خمس عشرة دائرة، إلا أننا نشهد تضاربا بالمواقف، وعدم جدية بالتعاطي، أي بمستوى التحدي الماثل أمامنا، والخوف كل الخوف أن نظل نسمع "جعجةً ولا نرى طحينا"!
عالم فقد توازنه
مشكلة لبنان أبعد بكثير من قانون انتخاب، هي مشكلة بنيوية تطاول نظامه السياسي، ولننظر بروية إلى ما أورثنا النظام الطائفي من حروب تعاقبت ومن حروب تنتظر! فالأزمات العالقة والارتهان للخارج وتبني أجندات دول كبرى أبقت لبنان ساحة لصراعات ليس ثمة من يعرف متى وأين تنفجر، ومنصة لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، بحيث يصبح من الصعب تداركها بعين العقل وميزان المنطق، حتى وإن كابرنا ودفنا الرؤوس في رمل صراعاتنا، فالأخطار محدقة بنا من كل حدب وصوب، في عالم فقد توازنه ويعيش صراعات مدوية سياسية واقتصادية وأمنية.
نعرف أن ثمة إشكاليات تعوق تطوير نظامنا السياسي، فالمشكلات متجذرة في تربة مجتمعنا، ولسنا بقادرين في هذه اللحظة السياسية طرح تطوير الدستور وتحديث القوانين، خصوصا وأن لكل طائفة هواجسها، وليس ثمة ما هو مشترك "وطنيا" إلا عناوين نداوم استهلاكها لنروغ قليلا من خطابنا الطائفي، ونوهمَ أنفسنا أننا في بلد الحريات والديموقراطية، فيما لا حرية وحياة ديموقراطية في حاضرة الطائفة والمذهب.
لا نقول بتعديل يلغي بعض الثوابت التي نراها ضرورية وتمثل حاجة لاستقرار لبنان، وأهمها المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فثمة معطيات لا يمكن القفز فوقها لخصوصية الواقع اللبناني، شرط أن يكون التنوع مصدر غنىً للبنان، لا مجلبة للأحقاد والضغائن، وبات ضروريا أكثر من أي وقت مضى ان يكون الرئيس مسيحيا، ليس بقوة العرف والدستور فحسب، وإنما ليكون لبنان متميزا ومتمايزا في محيطه العربي والإسلامي، فيما نشهد صراعات تهدد أمن المنطقة، وقد تعيد رسم خارطة جيوسياسية في محيطنا الشرق أوسطي على أنقاض "سايكس بيكو"، إلا أن تعميم الممارسة الطائفية لتشمل تعيين حاجب وخفير، فهذا يحيلنا دائما إلى بؤرة الفساد!
القطعان بوادي والرعيان بوادي
نحن إزاء طبقة سياسية أفلست في الأخلاق قبل السياسة، ولا يحسد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ما آلت إليه الأمور ولا في ما ستؤول إليه وسط الضياع في تفاصيل قد تنسف كل الجهود المبذولة.
لكن في الجهة المقابلة، نجد أن المواطن ما عاد مهتما بقانون الانتخاب، ونجد أن ثمة غربة بينه وبين دولته وقد تنكرت لأدنى حقوقه، في الطبابة والاستشفاء والتعليم، في معالجة مشكلة النفايات بعيدا من تقاسم اصحاب النفوذ في الدولة الداعمين لمشاريع مشبوهة، ومناقصات استعراضية لمشاريع المكبات المسماة زورا "مطامر صحية"، مناقصات مضمونة النتائج قبل الإعلان عنها، المواطن بحاجة لتصريف انتاجه الزراعي لا أن يستجدي مساعدات تتبخر ولا يصله منها إلى القليل، وهو بحاجة لمعالجة كل اسباب التلوث من الليطاني إلى كل نهر وساقية في لبنان، بحاجة لحياة كريمة تبقيه في دائرة أمان اجتماعي وصحي، بحاجة إلى الأمن لاستعادة قطاعي السياحة والخدمات، وبحاجة لمعالجة أسباب هجرة الشباب والأدمغة.
وتطول القائمة، حتى ليبدو المشهد اليوم غير بعيد عن حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، يوم قال الرحابنة "الرعيان بوادي والقطعان بوادي"!